الدكتور وديع الصافي

الدكتور وديع الصافي

أنا وديع بن بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس من مواليد 1/11/1921 في نيحا - الشوف ، الابن الثاني بالترتيب لوالدي ووالدتي شفيقة شديد العجيل. ُولد أخي البكر توفيق عام 1919 ثم أنا ثمّ ستّ شقيقات توفيت احداهن فبقيت ليندا وماري وجان دارك وتيريز ونادية التي احترفت فترة وعرفت باسمها الفنّي هناء الصافي ؛ ومن بعدهنّ وُلد أخي الأصغر إيليا وهو من مواليد عام 1947 ، أي أنه يصغرني بستّ وعشرين عاماً !
كان والدي من مواليد عام 1895 وأمي من مواليد عام 1903 ؛ وقد عمل والدي صف ضابط في الدرك وخيالاً أيام الانتداب الفرنسي ورأس منطقة النبطية وجبل عامل . وقد ورث أخواي توفيق وإيليا هذا العمل عن والدي ، ولا يزال الأخير يمارس عمله قائداً لفرقة موسيقى الأمن الداخلي اللبنانية . لم يكن لأبي شأن بالغناء إلا أنه كان سمّيعاً ويشجّع الفنّ .
تزوّج جدّي لأبي أبو بشارة وهو من مواليد عام 1870 جدّتي أم بشارة ، إبنة عائلة يوسف كرم من عارَيْه . كانت جدتي أخت الرجال مقدامة شجاعة وربّت أعمامي وأبي على ذلك وكانت طاهية ماهرة ومتحدّثة لبقة وقاصّة ماهرة رسخت قصصها في وجداني . أما جدّي أبو بشارة فقد كان شيخ الشباب وقوّالاً وزجالاً يقرض الشعر من قرّادي ومعنّى وعتابا وميجانا ويغنّي بصوت جميل وهو من علّمني الزجل . كان جدّي يعمل في الأرض كما وسافر الى البرازيل مرّتين أو ثلاثاً ليكسب المال ويعود ليشتري أرضاً في نيحا .
أوّل عهدي بالفنّ كان مع خالي نمر شديد العجيل وكان دركيّاً كوالدي وذا صوت جميل كأبيه ، جدّي لأمّي ، وهو أوّل من علّمني العزف على العود . كنت أعزف سماعيّاً على الربابة ثمّ الكمان ومن بعدهما جاء العود ؛ ومنذ ان أمسكت بالعود لم أفارقه الى اليوم . كان خالي نمر يصطحبني الى السهرات ويعلّمني الغناء والعزف ! وفي العام 1931 تقريباً ذهبت مع أولاد مدرستي لنهنّئ السيدة نظيرة جنبلاط ، والدة المرحوم كمال جنبلاط ، بالسلامة بعد وعكة صحّيّة ألمّت بها فغنّيت لها أغنية علّمني إياها أستاذي يوسف بو عجرم على العود مطلعها “يا حمام الدوح” فنقدتني عشر ليرات ذهبية ، إلا أنني رفضت لأن والدي كان يأبى مثل هذا الفعل .
بدأ جدّي يعلّمني الزجل على أنواعه وصرت أستمع الى شحرور الوادي أسعد الفغالي عمّ المطربة صباح والى أزجاله وكذلك الى أزجال رشيد نخلة . لم أعرفهما شخصيّاً في صباي بل كنت أقرأ لهما وأسمع عنهما فتعلّقت بهما تعلّقي بأبي وجدّي وأصبح شعرهما جزءاً منّي . كان شحرور الوادي عملاقاً ذا صوت جميل وكان معه عمالقة آخرون كأنيس روحانا وعلي الحاج وغيرهما ، الا ان أصواتهم لم تكن جميلة كصوته .
بعد استقالة والدي من الدرك وانتقالنا الى بيروت عام 1935 بالتقريب ، شرعت بتعلّم العود على ألكسي اللادقاني الذي علّمني أول ما علّمني تحميلتي بياتي وحجاز . في بيروت قصدت مدرسة المخلّص أمضيت فيها سنتين فقط وكنت أرتّل في الجوق المدرسي . العتابا مرّن صوتي فصار حفظ الألحان أسهل عليّ بما لا يقاس مع أترابي من أبناء المدينة ، فكنت نجم الجوق المدرسي لأني كنت احفظ الألحان بسهولة فائقة لمراسي المذكور في العتابا . قبل العتابا مثلاً كنت سمعت رائعة عبد الوهاب “يا جارة الوادي” فشقّت عليّ في البدء ، الا أنني عندما تمرّست في العتابا وجدت “جارة الوادي” سهلة جدّاً مثل “شربة الماء” . قبل أن بدأت أغنّي كنت أرتّل في الكنيسة ، وتواكب عندي الغناء الريفي والترتيل الكنسي ، فكانا أهمّ رافدين رفدا غنائي فيما بعد .
لم تمضِ سنتان إلا ووالدي قد طلب الينا أنا وأخي توفيق أن نترك المدرسة لصالح العمل لنسهم في إعالة أسرتنا الكبيرة ، إذ أن معاش التقاعد من الدرك لم يكن كافياً لسدّ احتياجات العائلة ، وكنت آنذاك في الخامسة عشرة من عمري بالتقريب.
كانت إذن المرحلة الابتدائية مجمل ما حصّلت من التعليم الرسمي قبل أن أخرج الى العمل ، فعملت صبيّاً في محل نوفوتيه وفي محلّ أحذية وفي صالون حلاقة ، ثمّ عملت في معمل للقرميد والزجاج . عام 1937 شجّعني والدي على التقدّم الى الإذاعة وفعلاً تقدّمت فتمّ قبولي ، وهناك علّمني ميشال خياط وسليم الحلو وأقرانهما القصائد والنغم والإيقاع الصحيحين . علّمني هؤلاء الموشّحات والتلحين وكانا يأتيان بالقصائد ويلحّناها على موازين يختاراها فقوّياني . كان ميشال خياط مغرماً بالشيخين سيد درويش وزكريا أحمد فتعلّمت منه روح الرجلين . وفي العام 1938 فزت بالمرتبة الأولى في العزف على العود وفي التلحين والغناء ولمّا أبلغ بعد من العمر سبعة عشر عاماً .
ثمّ ألبست ما حفظت في طفولتي وصباي ، من قرّادي ومعنّى وغزيّل وعميّم وأبو الزلف وعتابا وميجانا ، على العود و”هجمت” بها على بيروت .
عام 1940 خلال الحرب العالمية الثانية أجرى سليم الحلو مسابقة للغناء من ألحانه شارك فيها مطربون كبار آنذاك من أمثال صابر الصفح ومصطفى كريدية وغيرهما فحللت في المرتبة الأولى . وخلال كل تلك المدّة كنت أسمع ألحان محمد عبد الوهاب وأرى أفلامه مع ليلى مراد ونجاة علي وغيرهما وأحفظ الألحان وأدرسها ، فلم أكن أنام حتى أعرف أساس النغمة ومقامها. كذلك تعرّفت في تلك السنوات من أواخر الثلاثينات الى صوت أم كلثوم من خلال أسطواناتها وأفلامها ولم أكن أستمع الى أحد غيرهما إلا أسمهان . عبد الوهاب ثقّفني من حيث الأداء ، أخذت عنه غناءه وثقافته وكنت أشاهد أفلامه مراراً وتكراراً لأتعلّم منه . كنت من حزب عبد الوهاب ضد أم كلثوم وكنت أحب غناءه لأنه أنيق والغناء الأنيق أقرب عندي للحفظ والغناء. في البداية لم أستوعب أم كلثوم و في مرحلة متأخرة فقط اكتشفتها وأغرمت بها وهي تسلطن بألحان رياض السنباطي .
تعلّمت في تلك السنوات الأولى كتابة النوتة بالطريقة التركية ، الا انها لم تعمّر طويلاً وحلّت محلّها الطريقة المعروفة اليوم ، إلا أنّ أعصابي لم تعد تحتمل أن أتعلّم من جديد فانصرفت إلى علم النغم ….

شارك وديع الصافي في المهرجانات الغنائية التالية:

"
العرس في القرية" بعلبك 1959
"موسم العز"، و"مهرجان جبيل 1960
"
مهرجانات فرقة الأنوار" 1960-1963
"مهرجان الأرز" 1963
"أرضنا إلى الأبد" بعلبك 1964
"مهرجان نهر الوفا" الذي فشل ماديًا  1965
"
مهرجان مزيارة" 1969
"مهرجان بيت الدين" 1970-1972
"مهرجان بعلبك" 1973-1974

أفلام سينمائية
شارك وديع في أكثر من فيلم سينمائي، من بينها:

الخمسة جنيه
غزل البنات

موّال ونار الشوق مع صباح في عام 1973.

الأغاني
غنّى للعديد من الشعراء، خاصّة أسعد السبعلي ومارون كرم، وللعديد من الملحنين أشهرهم الأخوان رحباني، زكي ناصيف، فيلمون وهبه، عفيف رضوان، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، رياض البندك. ولكنّه كان يفضّل أن يلحّن أغانيه بنفسه لأنّه كان الأدرى بصوته، ولأنّه كان يُدخل المواويل في أغانيه، حتّة أصبح مدرسة يُحتذى بها. غنّى الآلاف من الأغاني والقصائد، ولحّن منها العدد الكبير.

كرّمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية وحمل أكثر من وسام استحقاق منها خمسة أوسمة لبنانية نالها أيام كميل شمعون، فؤاد شهاب وسليمان فرنجية والياس الهراوي. أما الرئيس اللبناني إميل لحود فقد منحه وسام الأرز برتبة فارس. ومنحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى في 30 حزيران 1991.

كما أحيا الحفلات في شتّى البلدان العربية والأجنبية