الخنشارة - محافظة جبل لبنان - قضاء المتن الشمالي

الخنشارة - محافظة جبل لبنان - قضاء المتن الشمالي

الخنشارة حاضنة أول مطبعة للحرف العربي في الشرق بلدة مكللة بصنوبرها وقرميدها وهامة صنين تحرس جمالها والتراث

توقف الزمان مبهراً أمام عظمة الخالق بغابات الصنوبر الخضراء وتحته بساط الخنشار النديّ... مناخ معتدل ونسمة عليلة تهبّ عند الحاجة إليها، ومياه رقراقة صحية شافية.

أما الانسان، فقد زاد جمال الطبيعة جمالاً في البلدة من القرميد الأحمر الحنون، إلى الأديرة والكنائس القديمة. وفي نزوعه إلى التقدم أسّس في البلدة أول مطبعة للحرف العربي في الشرق: الخنشارة حباها الله جمالات جمّة ولم يبخل عليها الانسان بروحه...

موقع مميز ومناخ عذب

تقع الخنشارة على سفح رابية خضراء قامت عليها منذ القديم أشجار الصنوبر الباسقة حارسة ساكنيها وفوق أرضها الخصبة نباتات الخنشار، وعلى يمينها يقف جبل صنين المتوّج بالبياض، يشرف على بيوتها اللبنانية الطراز المكللة بقرميد أحمر والمحاطة بأزقّة ذات أدراج قديمة.

كل ذلك يجعل الخنشارة مزيجاً من الألوان الزاهية والتي تمنحها خصائص مميزة كبلدة لطالما تغنّى وتغزّل بجمالها وجلال موقعها كبار الكتّاب والشعراء، ومنهم شاعر القطرين خليل مطران وهو الذي أطلق عليها اسم «المدينة الخضراء».

تتصف البلدة بعذوبة مناخها الذي يناسب المرضى في طور النقاهة، فهو معتدل جاف لكثرة ما يحيط بها من أشجار الصنوبر والصخور البيضاء التي تجعل الهواء نقياً معطراً ومنعشاً، وهو يحافظ ليلاً ونهاراً على معدّل متوازن من الحرارة محافظاً بذلك على القاعدة الصحية المنشودة.

الاسم بين السريانية والعربية

يرجح أن اسم الخنشارة هو كلمة مركّبة من كلمتين سريانيتين «كنيش» أي جماعة أو رهط، و«شاهري» أي الساهرون اليقظون والمقصود جماعة الرهبان. وقد يكون «كينش دارا» أي جيش الحرب ومعسكر الحرب، وذلك ربما لأنه في القرن الثامن وقعت معركة بين الأمويين والمردة بالقرب من الخنشارة.

وعلى الرغم من وجود تفسير سرياني لاسم هذه البلدة، فإن أكثر الباحثين يميلون إلى الاعتقاد بأن تاريخها لا يعود إلى أبعد من العهود العربية، ويشجعهم على هذا الرأي وجود تفسير للاسم في اللغة العربية وهو يطلق على نوع من النبات «الخنشار» (فوجير) يملأ أراضي الخنشارة الرطبة، وينتشر في غابات الصنوبر وعلى كعوب أشجارها.

في أواخر القرن السابع عشر، يبدأ تاريخ الخنشارة الحديث عندما جاء بعض رهبان دير البلمند بعد استئذانهم البابا كيريللوس الخامس إلى منطقة تقع بين الشوير وبتغرين، حيث كان يوجد دير صفير يحمل اسم القديس يوحنا الصايغ. فاشترى الرهبان هذا الدير وما حوله وأقاموا في حمى الأمير نجم اللمعي، وتبعهم شيئاً فشيئاً بعض الأهالي الذين استوطنوا البلدة.

غابات ومنتزهات وهامة صنين

في البلدة منتزهات وغابات كثيرة منها منطقة البرج وهو رابية عالية تقوم على سفحها الخنشارة، ولا يعلو على هذه الرابية إلا هامة صنين تطلّ من جهاتها الأربع على أجمل مناظر لبنان وأروعها.

وتقع شرقي البلدة هضبة الشحّار المحبوكة بالصنوبر وهي تطل على جبل صنين ووهاده المهيبة، وعلى مناجم الحديد الحمراء التي استخدمها ابراهيم باشا القائد المصري الشهير ابان افتتاحه لبنان، ولا تزال آثارها باقية حتى اليوم، وأشهرها المنجم المعروف بـ«عين المسبك». وفي قلب الهضبة وعلى جنباتها فجوات وخلوات وارفة الظل هي خير مرتع للمتنزهين في أحضان الطبيعة.

المياه الشافية

تتوافر الينابيع بكثرة في الخنشارة ومنها نبع أبو طنوس وهو نبع عذب حديدي المياه نافع لأمراض المعدة والكبد، ويقع في بستان كثير الفاكهة والثمار عقدت فوقه العرائش طريقاً مظللاً رومانسياً.

ويتفجر من سفح تلة «نبع الغابة» في مكان منعزل ساكن حوله كروم العنب وبساتين التين وتحف ضفتيه أشجار الصفصاف والجوز والتفاح.

 

أما «نبع السميط» فهو غرير فيّاض يقع وسط بستان فيه الكثير من الخضر والبقول والفواكه، ومياهه عذبة جداً ويتمتع بمناظر جميلة من حوله.

عين الصميدية

في الخنشارة نبع سلسبيل غرير يتدفق من قلب الرابية الخضراء، هو «عين الصميدية» ومياهها لذيذة الطعم خفيفة على المعدة والأمعاء وهي دواء يوصف لأمراض الكليتين والمسالك البولية والعناصر السامة، مما ينقّي الجسم ويزيد كريات الدم الحمراء وهي تساعد على إخراج الحصاة والرمل من الجسم، وتوصف لأمراض الصدر والتدرن الرئوي وداء النقرس وتمنع تقلّص الشرايين وجفاف أعصاب الجسم.

ويزور العين بشكل متواصل أهالي البلدة والجوار، كما يأتي إليها أشخاص من مناطق بعيدة ليملأوا جرارهم من المياه الصحية لشفاء مختلف الأمراض بحسب وصفة أطبائهم.

وقديماً كانت البلدة تزخر بصناعات عدة ومنها، معامل الدخان والسجائر التي كانت تحتوي على أحدث طراز من ماكينات فرم الدخان ولفّه والتي اشتهرت بطيب سجائرها واتقان مصنوعاتها وتوضيبها، حتى تفوّقت على السجائر المصرية التي كانت مشهورة آنذاك.

كذلك، كانت في البلدة كرخانات للحرير، حيث امتلأت الخنشارة بأشجار التوت لتربية دودة القز وازدهرت فيها صناعة الحرير لفترة طويلة إلى أن انقرضت من مناطق لبنان كافة، ولم يبق منها في الخنشارة سوى آثار الكرخانات القديمة. أما اليوم، فالخنشارة تحتضـن ثلاثـة معامل لصناعة الخمور ومطحنـة للحبـوب، ومن منتوجاتها ذات الشهرة الواسعة العرق والنبـيذ والكرز الذي ذاع صيته لكثـرة حلاوتـه، كما يزرع في البلدة التفاح والدرّاق إلى الفواكه الصيفية كافة.

دير الرهبانية الشويرية

يقع دير القدّيس يوحنا الصايغ على طبقة صخرية فوق وادي أبي عيسى في خراج الخنشارة على تخوم الشوير، وتحيط به صخور وأشجار السنديان والصنوبر المعمرة.

تأسيس هذا الدير كان في 10 كانون الأول سنة 1710 حين أتى عدد من رهبان دير سيدة البلمند الواقع جنوبي طرابلس وقصدوا انشـاء دير خاص بهم وسنّ قوانين جديدة يسيرون عليها. وعاشوا بداية مع كاهن مقيم في غرفة محاذية لكنيسة قديمة على اسم القديس يوحنا الصايغ، وبعـد مدة تم الاتفاق على شراء الدير ومزرعـة بيت عيال القريبة منه. ومنذ ذلك الحين توارد إليه كثيرون من كل صـوب حتى أصبح عددهم كافياً لانتخاب رئيس عام للرهبنـة، وأصبح الدير الأم للرهبانيـة الشويرية ومركز الرئاسـة العامة. وقد فتحت عام 1735 أول مدرسة ابتدائية في المنطقة تابعة للدير.

من أجمل الآثار التي تملكها الرهبنة المكتبة القديمة التي تضم مخطوطات قديمة غنية بالمواضيع مختلفة التواريخ، يرقى بعضها إلى القرن العاشر.

إلى المكتبة هنالك الايقونات المقدسة وهي من مختلف المدارس الايقونوغرافية موزعة على معبد الدير القديم وكنيسة مار نقولا وردهة الايقونات.

أما الايقونوستاز أو واجهة الايقونات في كنيسة مار نقولا (والذي تم انجازه من العام 1719 وحتى العام 1925) فهو يعتبر تحفة بديعة في فن الحفر على خشب الجوز، وهو على جانب كبير من الاتقان والزخرفة طوله 6 أمتار ونصف وعلوّه أربعة أمتار ونصف.

داخل الدير أثر حلـيل وهو كنيسـة القديس يوحنا والتي سبقت إنشاء الدير بسنين عديدة وكانت شبه مزار للقرى المجاورة وهي تحوي صوراً قديمة جداً يرقى أحدثها إلى عام 1710.

أما ميـزة الدير الكبـرى فهـو احتواؤه علـى أهـم ارث فـريد، ألا وهـو المطبعة العربية الأولى في لبـنان والـتي صـدرت منهـا كتب روحيـة وجدليـة وطقسيـة عـدة مطبـوعة طباعة جميلـة، ولا تـزال هـذه المطبعة محفوظـة داخـل الدير بكامـل أدواتها.

 

أما منشـئ المطبعة فهـو الشمـاس العلامة عبد الله الزاخر نسبة إلى معارفـه الواسعـة. وقد خطـر له تأسيس أول مطبعة بالحرف العـربي في لبـنان وأول مطبعـة في الشـرق بآلات من صنعـه وقد باشـر بصنعها في العام 1723 واكتملت في العام 1733، وطبعت أول كتاب بالحـرف العربي فـي لبـنان وكان بعـنوان «ميـزان الزمـان»، وقد طبـعت 800 نسخة منـه وتوالـت الكـتب ليبـلغ عددهـا 33 كتابـاً عربيـاً.بلدية الخنشارة

الخنشارة الجميلة بلسان رئيس بلديتها منير سماحة الذي تحدث عن بلدته وأهاليها وبلديتها فقال: لقد اشتهرت الخنشارة بإقامة عيد المصايف خلال فترة الصيف وذلك خلال الخمسينيات، حيث كانت تقام حفلات كثيرة ومهرجانات وأشغال يدوية وأسواق مفتوحة ليل نهار.

ومن أول مشاريع المجلس البلدي إعادة إحياء هذا العيد لتطوير السياحة في البلدة كما نعمل على مشروع إقامة حديقة عامة قرب «عين الصميدية».

من الناحية البيئية ينشط المجلس البلدي بشكل متواصل، حيث تتم إقامة حملات تشجير على جانبي الطرقات وفي أرجاء البلدة كافة، إلى الاحتفال بيوم البيئة مع ما يتخلله من توعية بيئية وحملات نظافة وإرشاد حول الوقاية من حرائق الأحراج.

وتقيم البلدية بالتعاون مع النوادي الثقافية في البلدة، ندوات شعرية وفكرية وفنية ومعارض رسم ومخيمات كشفية ودورات خاصة في الكومبيوتر واللغة الانكليزية للأهالي في المدارس الخاصة.

المعصرة القديمة

يندرج «مشروع المعصرة» في البلدة في إطار «إحياء الذاكرة التراثية» وهو يهدف إلى إعادة تكوين الصورة الذهنية للمعصرة في الذاكرة الجماعية، ليس فقط عبر الحفاظ على المبنى إنما عبر إعادة ترميم العلاقة بين أهالي البلدة ومعصرتهم القديمة. وهذه العلاقة لا تبنى على اعتبار المعصرة أثراً تراثياً فحسب، إنما باعتبارها مورداً اقتصادياً ومعرفياً، لقيمتها الاقتصادية السابقة وللآلية التقنية التي كانت تطبّق فيها من حيث صناعة مشتقات الكرمة (عرق، نبيذ، دبس، كحول...)، وربط ذلك بما تشكّله المعصرة كعنصر رمزي.

ويقـسم مشروع المعصـرة إلى مراحـل عدة حيث يتم تحقيـقها الواحـدة تلو الأخـرى:

- تدعيـم المبـنى لمنعه من السقوط.

- ترميـم طفيف وإظهار المعالم الموجودة.

- إعادة إحياء الوظيفة التقنية لمختلف أجزاء المبنى.

- خلق وظائف جديدة للمعصرة والمنطقة المحيطة بها والتي لا تقلّ عنها أهمية من حيث الغنى الأثري (يوجد ناووس حجري قديم في محيطها) والطبيعي (صخور بديعة التشكيل)، مما يؤهل المنطقة لاستقبال السياحة الثقافية والبيئية ويجذب الباحثين في التنوّع البيولوجي وتاريخ الآلات القديمة.

 الأهالي البناؤون

ذاع صيت أهالي الخنشارة بمهارتهم في البناء، حيث كانوا يتعاطون هذه المهنة في بلدتهم وكانوا يرسلون بطلبهم من مختلف أنحاء البلاد ومن خارجها. وعندما كان الأمير موريس شهاب مديراً عاماً للآثار جمع 6 «معلمين عمار» وأرسل كلاً منهم إلى مكان أثري: قلعة بعلبك، قلعة جبيل، قصر بيت الدين، قلعة صيدا، قلعة صور، قلعة نيحا، حيث عملوا على ترميمها. ووصلت مآثرهم إلى خارج البلاد فانتشروا يعملون في سوريا والعراق (الموصل)، وبعدها إلى الكويت والخليج والسعودية، وقد أصبح أولادهم اليوم مهندسين يعملون في القطاع ذاته.

يبلغ عدد سكان بلدة الخنشارة حوالى 3500 نسمة وهم موزعون على العائلات التالية: سماحة، رياشي، كفوري، قاصوف، قربان، معلوف، عقل، منيّر، عبّود، هنود